فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} لما شكوا إليه رقَّ لهم وعرّفهم بنفسه، ورُوِي أنه كان يكلمهم وعلى وجهه لثام، ثم أزال اللثام ليعرفوه، وأراد بقوله ما فعلتم بيوسف وأخيه: التفريق بينهما في الصغر، ومضرتهم ليوسف وإذايتهم أخيه من بعده، فإنهم كانوا يذلونه ويشتمونه: {إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} اعتذار عنهم، فيحتمل أن يريد الجهل بقبح ما فعلوه أو جهل الشبابُ: {قالوا أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ} قرئ بالاستفهام والخبر، فالخبر على أنهم عرفوه؛ والاستفهام على أنهم عرفوه؛ والاستفهام على أنهم توهموا أنه هو ولم يحققوه: {مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} قيل إنه أراد من يتق في ترك المعصية، ويصبر على السجن، واللفظ أعم من ذلك: {آثَرَكَ الله عَلَيْنَا} أي فضلك: {لخاطئين} أي عاصين، وفي كلامهم استعطاف واعتراف: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} عفو جميل، والتثريب التعنيف والعقوبة، وقوله اليوم راجع إلى ما قبله فيوقف عليه، وهو يتعلق بالتثريب، أو بالمقدر في عليكم من معنى الاستقرار؛ وقيل: إنه يتعلق بيغفر، وهذا بعيد لأنه تحكم على الله؛ وإنما يغفر دعاء، فكأنه أسقط حق نفسه بقوله: لا تثريب عليكم اليوم، ثم دعا إلى الله أن يغفر لهم حقه.
{اذهبوا بِقَمِيصِي} روي أن هذا القميص كان لإبراهيم كساه الله له حين أخرج من النار، وكان من ثياب الجنة، ثم صار لإسحاق، ثم ليعقوب، ثم دفعه يعقوب ليوسف، وهذا يحتاج إلى سند يوثق به، والظاهر أنه كان قميص يوسف الذي بمنزلة قميص كل أحد: {يَأْتِ بَصِيرًا} الظاهر أنه علم ذلك بوحي من الله: {فَصَلَتِ العير} أي خرجت من مصر متوجهة إلى يعقوب: {قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} كان يعقوب ببيت المقدس، ووجد ريح القميص وبينهما مسافة بعيدة: {لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ} أي تلومونني أو تردون علي قولي، وقيل: معناه تقولون: ذهب عقلك، لأن الفند هو الخرف: {ضلالك القديم} أي ذهابك عن الصواب، بإفراط محبتك في يوسف قديمًا: {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير} روي أن البشير يهوذا لأنه كان جاء بقميص الدم فقال لإخوته: إني ذهبت إليه بقميص القرحة فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ربي} وعدهم بالاستغفار لهم، فقيل سوّفهم إلى السَّحَر لأن الدعاء يستجاب فيه، وقيل إلى ليلة الجمعة: {فَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ} هنا محذوفات يدل عليها الكلام، وهي فرحل يعقوب بأهله حتى بلغوا يوسف: {آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} أي ضمهما، وأراد بالأبوين أباه وأمه، وقيل أباه وخالته لأن أمه كانت قد ماتت، وسمى الخالة على هذا أمّا: {إِن شَاءَ الله} راجع إلى الأمن الذي في قوله آمنين.
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش} أي على سرير الملك: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا} كان السجود عندهم تحية وكرامة لا عبادة: {وَقَالَ يا أبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ} يعني حين رأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر يسجدون له، وكان بين رؤياه وبين ظهور تأويلها ثمانون عامًا وقيل أربعون: {أَحْسَنَ بي} يقال أحسن إليه وبه: {أَخْرَجَنِي مِنَ السجن} إنما لم يقل أخرجني من الجب لوجهين: أحدهما: أن في ذكر الجب خزي لإخوته، وتعريفهم بما فعلوه فترك ذكره توقيرًا لهم. والآخر: أنه خرج من الجب إلى الرق، ومن السجن إلى الملك، فالنعمة به أكثر: {وَجَاءَ بِكُمْ مِّنَ البدو} أي من البادية وكانوا أصحاب إبل وغنم، فعدّ من النعم مجيئهم للحاضرة: {نَّزغَ الشيطان} أي أفسد وأغوى: {لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ} أي لطيف التدبير لما يشاء من الأمور: {مِنَ الملك} من للتبعيض، لأنه لم يعطه إلا بعض ملك الدنيا بل بعض ملك مصر: {تَوَفَّنِى مُسْلِمًا} لما عدد النعم التي أنعم الله بها عليه اشتاق إلى لقاء ربه ولقاء الصالحين من سلفه وغيرهم، فدعا بالموت. وقيل ليس ذلك دعاء بالموت، وإنما دعا أن الله يتم عليه النعم بالوفاة على الإسلام إذا حان أجله. اهـ.

.قال البيضاوي:

{قَالُواْ إِن يَسْرِقْ}
بنيامين. {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} يعنون يوسف. قيل ورثت عمته من أبيها منطقة إبراهيم عليه السلام وكانت تحضن يوسف وتحبه، فلما شب أراد يعقوب انتزاعه منها فشدت المنطقة على وسطه، ثم أظهرت ضياعها فتفحصُ عنها فوجدت محزومة عليه فصارت أحق به في حكمهم. وقيل كان لأبي أمه صنم فسرقه وكسره وألقاه في الجيف. وقيل كان في البيت عناق أو دجاجة فأعطاها السائل. وقيل دخل كنيسة وأخذ تمثالًا صغيرًا من الذهب. {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ في نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} أكنها ولم يظهرها لهم، والضمير للإجابة أو المقالة أو نسبة السرقة إليه وقيل إنها كناية بشريطة التفسير يفسرها قوله: {قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} فإنه بدل من أسرها. والمعنى قال في نفسه أنتم شر مكانًا أي منزلة في السرقة لسرقتكم أخاكم، أو في سوء الصنيع مما كنتم عليه، وتأنيثها باعتبار الكلمة أو الجملة، وفيه نظر إذ المفسر بالجملة لا يكون إلا ضمير الشأن. {والله أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} وهو يعلم أن الأمر ليس كما تصفون.
{قَالُواْ يا أَيُّهَا العزيز إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} أي في السن أو القدر، ذكروا له حاله استعطافًا له عليه. {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} بدله فإن أباه ثكلان على أخيه الهالك مستأنس به. {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} إلينا فأتمم إحسانك، أو من المتعودين بالإِحسان فلا تغير عاداتك.
{قَالَ مَعَاذَ الله أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا متاعنا عِندَهُ} فإن أخذ غيره ظلم على فتواكم فلو أخذنا أحدكم مكانه. {إِنَّا إِذًا لظالمون} في مذهبكم هذا، وإن مراده إن الله أذن في أخذ من وجدنا الصاع في رحله لمصلحته ورضاه عليه فلو أخذت غيره كنت ظالمًا.
{فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ} يئسوا من يوسف وإجابته إياهم، وزيادة السين والتاء للمبالغة. {خَلَصُواْ} انفردوا واعتزلوا. {نَجِيًّا} متناجين، وإنما وحده لأنه مصدر أو بزنته كما قيل هو صديق، وجمعه أنجيه كندي وأندية. {قَالَ كَبِيرُهُمْ} في السن وهو روبيل، أو في الرأي وهو شمعون وقيل يهوذا. {أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقًا مّنَ الله} عهدًا وثيقًا، وأنما جعل حلفهم بالله موثقًا منه لأنه بإذن منه وتأكيد من جهته. {وَمِن قَبْلُ} ومن قبل هذا. {مَا فَرَّطتُمْ في يُوسُفَ} قصرتم في شأنه، و: {مَا} مزيدة ويجوز أن تكون مصدرية في موضع النصب بالعطف على مفعول تعلموا، ولا بأس بالفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف، أو على اسم: {أن} وخبره في: {يُوسُفَ} أو: {مِن قَبْلُ} أو الرفع بالابتداء والخبر: {مِن قَبْلُ} وفيه نظر، لأن: {قَبْلُ} إذا كان خبرًا أو صلة لا يقطع عن الإِضافة حتى لا ينقص وأن تكون موصولة أي: ما فرطتموه بمعنى ما قدمتوه في حقه من الجناية ومحله ما تقدم. {فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} فلن أفارق أرض مصر. {حتى يَأْذَنَ لِى أَبِى} في الرجوع. {أَوْ يَحْكُمَ الله لِى} أو يقضي لي بالخروج منها، أو بخلاص أخي منهم أو بالمقاتلة معهم لتخليصه. روي: أنهم كلموا العزيز في إطلاقه فقال روبيل: أيها الملك والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل، ووقفت شعور جسده فخرجت من ثيابه فقال يوسف عليه السلام لابنه: قم إلى جنبه فمسه، وكان بنو يعقوب عليه السلام إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه. فقال روبيل من هذا إن في هذا البلد لبزرًا من بزر يعقوب. {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} لأن حكمه لا يكون إلا بالحق.
{ارجعوا إلى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابنك سَرَقَ} على ما شاهدناه من ظاهر الأمر. وقرئ: {سَرَقَ} أي نسب إلى السرقة. {وَمَا شَهِدْنَا} عليه. {إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} بأن رأينا أن الصواع استخرج من وعائه. {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ} لباطن الحال. {حافظين} فلا ندري أنه سرق أو سرق الصواع في رحله، أو وما كنا للعواقب عالمين فلم ندر حين أعطيناك الموثق أنه سيسرق، أو أنك تصاب به كما أصبت بيوسف.
{واسئل القرية التي كُنَّا فِيهَا} يعنون مصر أو قرية بقربها لحقهم المنادي فيها، والمعنى أرسل إلى أهلها واسألهم عن القصة. {والعير التي أَقْبَلْنَا فِيهَا} وأصحاب العير التي توجهنا فيهم وكنا معهم. {وِإِنَّا لصادقون} تأكيد في محل القسم.
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} أي فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم قال: {بَلْ سَوَّلَتْ} أي سولت وسهلت. {لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا} أردتموه فقدرتموه، وإلا فما أدرى الملك أن السارق يؤخذ بسرقته. {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أجمل. {عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا} بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر. {إِنَّهُ هُوَ العليم} بحالي وحالهم. {الحكيم} في تدبيرهما.
{وتولى عَنْهُمْ} وأعرض عنهم كراهة لما صادف منهم. {وَقَالَ يا أَسَفًا على يُوسُفَ} أي يا أسفًا تعالي فهذا أوانك، والأسف أشد الحزن والحسرة، والألف بدل من ياء المتكلم، وإنما تأسف على يوسف دون أخويه والحادث رزؤهما لأن رزأه كان قاعدة المصيبات وكان غضًا آخذًا بمجامع قلبه، ولأنه كان واثقًا بحياتهما دون حياته، وفي الحديث: «لم تعط أمة من الأمم: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون} عند المصيبة إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم» ألا ترى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال: {يَا أَسَفًا}. {وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن} لكثرة بكائه من الحزن كأن العبرة محقت سوادهما. وقيل ضعف بصره. وقيل عمي، وقرئ: {مِنَ الحزن} وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع، ولعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد، ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وقال: «القلب يجزع والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون»: {فَهُوَ كَظِيمٌ} مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه لا يظهره، فعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى: {وَهُوَ مَكْظُومٌ} من كظم السقاء إذا شده على ملئه، أو بمعنى فاعل كقوله: {والكاظمين الغيظ} من كظم الغيظ إذا اجترعه، وأصله كظم البعير جرته إذا ردها في جوفه.
{قَالُواْ تالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي لا تفتأ ولا تزال تذكره تفجعًا عليه، فحذف لا كما في قوله:
فَقُلْتُ يَمينَ اللّه أَبْرَح قَاعِدًا

لأنه لا يلتبس بالإثبات، فإن القسم إذا لم يكن معه علامات الإثبات كان على النفي. {حتى تَكُونَ حَرَضًا} مريضًا مشفيًا على الهلاك. وقيل الحرض الذي أذابه هم أو مرض، وهو في الأصل مصدر ولذلك لا يؤنث ولا يجمع والنعت بالكسر كدنف ودنف. وقد قرئ به وبضمتين كجنب. {أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين} من الميتين.
{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى} همي الذي لا أقدر الصبر عليه من البث بمعنى النشر. {إِلَى الله} لا إلى أحد منكم ومن غيركم، فخلوني وشكايتي. {وَأَعْلَمُ مِنَ الله} من صنعه ورحمته فإنه لا يخيب داعيه ولا يدع الملتجئ إليه، أو من الله بنوع من الإِلهام. {مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من حياة يوسف. قيل رأى ملك الموت في المنام فسأله عنه فقال هو حي. وقيل علم من رؤيا يوسف أنه لا يموت حتى يخر له إخوته سجدًا.
{يا بَنِىَّ اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} فتعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما والتحسس تطلب الإحساس. {وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ الله} ولا تقنطوا من فرجه وتنفيسه. وقرئ: {مِن رَّوْحِ الله} أي من رحمته التي يحيا بها العباد. {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} بالله وصفاته فإن العارف المؤمن لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال.
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا العزيز} بعدما رجعوا إلى مصر رجعة ثانية. {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر} شدة الجوع. {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} رديئة أو قليلة ترد وتدفع رغبة عنها، من أزجيته إذا دفعته ومنه تزجية الزمان. قيل كانت دراهم زيوفًا وقيل صوفًا وسمنًا. وقيل الصنوبر والحبة الخضراء. وقيل الأقط وسويق المقل. {فَأَوْفِ لَنَا الكيل} فأتمم لنا الكيل. {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} برد أخينا أو بالمسامحة وقبول المزجاة، أو بالزيادة على ما يساويها. واختلف في أن حرمة الصدقة تعم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو تختص بنبينا صلى الله عليه وسلم. {إِنَّ الله يَجْزِى المتصدقين} أحسن الجزاء والتصدق التفضل مطلقًا، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في القصر «هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» لكنه اختص عرفًا بما يبتغي به ثواب من الله تعالى.
{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} أي هل علمتم قبحه فتبتم عنه وفعلهم بأخيه إفراده عن يوسف وإذلاله حتى لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وذلة. {إِذْ أَنتُمْ جاهلون} قبحه فلذلك أقدمتم عليه أو عاقبته، وإنما قال ذلك تنصيحًا لهم وتحريضًا على التوبة، وشفقة عليهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاتبة وتثريبًا. وقيل أعطوه كتاب يعقوب في تخليص بنيامين وذكروا له ما هو فيه من الحزن على فقد يوسف وأخيه فقال لهم ذلك، وإنما جهلهم لأن فعلهم كان فعل الجهال، أو لأنهم كانوا حينئذ صبيانًا شياطين.
{قَالُواْ أَءنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ} استفهام تقرير ولذلك حقق بأن ودخول اللام عليه. وقرأ ابن كثير على الإِيجاب. قيل عرفوه بروائه وشمائله حين كلمهم به، وقيل تبسم فعرفوه بثناياه. وقيل رفع التاج عن رأسه فرأوا علامة بقرنه تشبه الشامة البيضاء وكانت لسارة ويعقوب مثلها. {قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وهذا أَخِى} من أبي وأمي ذكره تعريفًا لنفسه به، وتفخيمًا لشأنه وإدخالًا له في قوله: {قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَا} أي بالسلامة والكرامة. {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ} أي يتق الله. {وَيِصْبِرْ} على البليات أو على الطاعات وعن المعاصي. {فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} وضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر.
{قَالُواْ تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا} اختارك علينا بحسن الصورة وكمال السيرة. {وَإِن كُنَّا لخاطئين} والحال أن شأننا إنا كنا مذنبين بما فعلنا معك.
{قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ} لا تأنيب عليكم تفعيل من الثرب وهو الشحم الذي يغشى الكرش للإِزالة كالتجليد، فاستعير للتقريع الذي يمزق العرض ويذهب ماء الوجه. {اليوم} متعلق بال: {تَثْرَيبَ} أو بالمقدر للجار الواقع خبرًا لل: {لاَ تثريبَ} والمعنى لا أثربكم اليوم الذي هو مظنته فما ظنكم بسائر الأيام أو بقوله: {يَغْفِرَ الله لَكُمْ} لأنه صفح عن جريمتهم حينئذ واعترفوا بها. {وَهُوَ أَرْحَمُ الراحمين} فإنه يغفر الصغائر والكبائر ويتفضل على التائب، ومن كرم يوسف عليه الصلاة والسلام أنهم لما عرفوه أرسلوا إليه وقالوا: إنك تدعونا بالبكرة والعشي إلى الطعام ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك، فقال إن أهل مصر كانوا ينظرون إلي بالعين الأولى ويقولون: سبحان من بلغ عبدًا بيع بعشرين درهمًا ما بلغ، ولقد شرفت بكم وعظمت في عيونهم حيث علموا أنكم اخوتي وأني من حفدة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
{اذهبوا بِقَمِيصِى هذا} القميص الذي كان عليه. وقيل القميص المتوارث الذي كان في التعويذ. {فَأَلْقُوهُ على وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا} أي يرجع بصيرًا أي ذا بصر. {وَائْتُوني} أنتم وأبي. {بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} بنسائكم وذراريكم ومواليكم.
{وَلَمَّا فَصَلَتِ العير} من مصر وخرجت من عمرانها. {قَالَ أَبُوهُمْ} لمن حضره. {إِنّى لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} أوجده الله ريح ما عبق بقميصه من ريحه حين أقبل به إليه يهوذا من ثمانين فرسخًا. {لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ} تنسبوني إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من هرم، ولذلك لا يقال عجوز مفندة لأن نقصان عقلها ذاتي. وجواب: {لَوْلاَ} محذوف تقديره لصدقتموني أو لقلت إنه قريب.
{قَالُواْ} أي الحاضرون. {تالله إِنَّكَ لَفِى ضلالك القديم} لفي ذهابك عن الصواب قدمًا بالإِفراط في محبة يوسف وإكثار ذكره والتوقع للقائه.
{فَلَمَّا أَن جَاء البشير} يهوذا. روي: أنه قال كما أحزنته بحمل قميصه الملطخ بالدم إليه فأفرحه بحمل هذا إليه. {أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ} طرح البشير القميص على وجه يعقوب عليه السلام أو يعقوب نفسه. {فارتد بَصِيرًا} عاد بصيرًا لما انتعش فيه من القوة. {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنّى أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من حياة يوسف عليه الصلاة والسلام، وإنزال الفرح. وقيل إني أعلم كلام مبتدأ والمقول: {تَيْأَسُوا مِّنْ رَّوْحِ اللهِ}، أو: {إِنّى لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}.